مما يتكون الكون؟!


هذا السر لا يزال عميقاً كما كان منذ ألفي سنة.

وفي مجال العلم ظل بحث عناصر المادة الأساسية تسليةً مفضّلةً لدى العلماء. مع ذلك كلّما تقدّم العلم، ازداد السر الغامض تعقيداً.

أوّل شخص نعرفه تساءل عن تركيب الكون كان الفيلسوف اليوناني طاليس الذي اعتبر الماء عنصر المادة الأساسي.

في ما بعد أحصى أرسطو أربع مواد أساسية هي: الماء والهواء والتراب والنار، ليشرح تركيب العالم المحيط بنا، ومادّةً خامسة هي الأثير ليفسّر الموجودات الممتازة.

فنظرية العناصر الخمسة اليونانية لاقت أوسع رواج، وقد عاشت ألفين من السنين تقريباً. حتى توصّل الكيميائي الإنكليزي روبرت بويل عام 1661 إلى تحديد اثني عشر عنصراً أساسياً هي: الذهب والفضة والنحاس والقصدير والحديد والرصاص والزئبق والفحم والكبريت والزرنيخ والأنتيموان والفوسفور.

ظل عدد هذه العناصر يتزايد منذ ذلك التاريخ حتى بلغ ثمانين عنصراً عام 1890. واليوم يمكننا أن نحصي أكثر من مئة عنصر أساسي ولم تكتمل اللائحة بعد.

مع ذلك ظنّ بعض العلماء اليونان أن كل عنصر يتركب بدوره من جزيئات صغيرة جداً لا تقبل القسمة. فقد سمّى ديموقريطس هذه الجزيئات: ذرّات، ومعناها في اليونانية: غير منقسمة.

عام 1808، ولأول مرة، عرض الكيميائي جون دلتن نظرية الذرّة بالتفصيل. وعن السؤال «ممّ يتركب الكون؟»، أجاب دلتن: من ذرّات.

وحدّد أنواعاً مختلفة من الذرّات، واحدة لكل عنصر، وهي ليست سوى تجمّع ذرّات يتركّب منها: فالذهب يتركّب هكذا من ذرّات الذهب، والنار من ذرّات النار، إلى آخر هذه الأصناف.

بعد مضيّ قرن، أي في عام 1902، بيّن الفيزيائي الألماني فيليب لينار أن الذرّة لا يمكنها أن تكون العنصر الأساسي، لأنها، خلافاً للاعتقاد السائد، مركّبة من جزيئات وتقبل القسمة.

بعد مرور عشر سنوات، اعتقد أهل العلم اعتقاداً راسخاً بأن سرّ المادة انكشف، وأن هذه المادة مركّبة من ذرّات تتألّف بدورها من نواة تُدعى بروتون ومن جزيئات تدور حول هذه النواة تُدعى إلكترون (البروتون يزن ألفاً وثمانمئة وستّاً وثلاثين مرّة أكثر من الإلكترون).

مع الأسف، لم تقف القصّة عند هذا الحدّ. 

عام 1932، بيّن الفيزيائي الإنكليزي جيمس شدويك أن للبروتون رفيقاً في قلب الذرّة هو: النوترون. وخلال بضعة أعوام من الغبطة العلمية، ظهر أن الكون مركّب من ثلاثة أنواع مختلفة من الجزيئات: الإلكترون والبروتون والنوترون. وهل أسهل من هذا الحصر؟

لكن الفرحة لم تدم طويلاً.

فقد لوحظ في البدء أن كل جُزيْء لا بدّ من أن يزامله جزيء نقيض، مساوٍ ومعاكس، هو في أساس توازن الذرّة. وهكذا أمكن تمييز نقيض الإلكترون، ونقيض البروتون، ونقيض النوترون.

هذه المرة لم يجرؤ أحد على التأكيد أن المسألة قد سُوّيت نهائياً. وذلك لسبب وجيه، هو اكتشاف جزيئات عديدة أخرى بالتتالي، منها المُوُون الذي يرافقه بالطبع نقيض المُوُون وكذلك النوترينو (الأصغر من النوترون. فالذرّة، هذه الجزيئة التي، حسب اعتقاد البعض، لا تنقسم، أضحت هكذا علبةً سحرية حقيقية، تخرج منها بالتتابع أصناف يبدو بعضها أغرب من البعض الآخر.

مع كل ذلك، لم تنتهِ المسألة بعد.

ففي عام 1953 أثبت الفيزيائي الأميركي موري جلمان أنّ البروتون – وكذلك النوترون – مركّب في الواقع من جزيئات أصغر تُدعى كواركس.

وهكذا بعد أكثر من ألفين من السنين، وبعد أبحاث نشيطة، ظلّ السرّ غامضاً مغلقاً.

لماذا وُجدت الكواركس والإلكترون؟ ولماذا وجدت الكوراركس بهذه الألوان العديدة المختلفة؟

هل هناك أيضاً بعض عناصر أكثر أساسيةً تضاف إليها؟ أمْ لا أساس مشتركاً للمادة على الإطلاق، وفي هذه الحال يكون العلماء قد تابعوا وما زالوا يتابعون منذ ألفين من السنين سلسلة لا نهاية لها، ويكون عنصر المادة الأساسي هدفاً خرافياً يزداد سرعةً في الهرب أمامنا كلّما اقتربنا منه؟

انزياح القارات

حتى الستينيات من هذا القرن، اعتقد كل العلماء أن القارات تكوّنت حيث هي حالياً. وكان الجميع يرفضون الاقتناع بأنها تتحرك، مع أن هناك عدة دلائل تثبت أن هذه القارات كانت في الماضي ملتحمة إحداها بالأخرى.

البراهين المؤكّدة

أثبتت أبحاث علم طبقات الأرض (الجيولوجيا) أن المَثالج الجليدية، كانت منذ مئتين وأربعين مليون سنة تغطّي جزئياً ما نسمّيه اليوم أميركا الجنوبية والمحيط المتجمّد الجنوبي (الأنتراكتيكا) والهند وأفريقيا وأوستراليا. فإذا كانت القارات ثابتة لا تتحرك، فتوزيعها الحاضر يشكّل تعقيداً لا حلّ له.

في الواقع، كانت المثالج الجليدية الأفريقية تغطّي المناطق الاستوائية الحالية وكذلك المَثالج الهندية. من جهة أخرى، لم يكن من مثالج جليدية في القارات الشمالية. ولو كانت الأرض باردة إلى درجة إمكان تجميد أفريقيا الاستوائية، فلماذا لم يكن في الماضي من مثالج في سيبيريا، ولا في شمال كندا مثلاً؟

على صعيد آخر، وُجدت نفس الحيوانات المتحجّرة المنقرضة في مناطق مختلفة جداً مثل أنتراكتيكا وأفريقيا وأميركا الجنوبية. ولا سبيل إلى شرح هذا التوزيع، لو كانت القارات منذ القدم تفصلها مسافة خمسة آلاف كيلومتر من المحيطات.

التفسير الممكن الوحيد, هو أن القارات الجنوبية – بما فيها الهند – كانت تؤلّف قارة واحدة أثناء العصر الجليدي، وكانت قريبة جداً من القطب الجنوبي.

طبقات الأرض

قعر المحيطات ليس مسطحاً على وتيرة واحدة كما يظن البعض. فقد بيّن سَبْر أغوار المحيطات، خلال عدة سنوات، أنها تنطوي على سلسلة من الجبال أكثر تحدّياً من كل ما نشاهده على اليابسة المنتشرة في أنحاء الكرة الأرضية. وهذه السلسلة تمتدّ على طول المحيط الأطلسي وتلتفّ حول أفريقيا لتصل بعد ذلك إلى المحيط الهندي. وهنا تنقسم إلى شطرين: الأول يتّجه نحو شبه الجزيرة العربية، والثاني يمتدّ إلى جنوب أوستراليا متّجهاً نحو الشمال ويشكّل قوساً كبيراً في المحيط الهادئ، وتُدعى هذه السلسلة المحيطيّة.

وقد دلّ سبر هذه الأغوار بدقة عام 1953 على وجود هوّة سحيقة تمتدّ على طول السلسلة، وكذلك في وسطها. فتبيّن حينئذٍ أن قشرة الأرض مكوّنة من عدة طبقات (أقل من عشرة) يتحرك بعضها ببطء بالنسبة إلى البعض الآخر.

هذا الاكتشاف قلب المفاهيم العلمية المتعلقة بتكوين الأرض، ودلّ على أن نشوء الجبال والبراكين والزلازل الأرضية ناجم عن التحرّك البطيء الذي يطرأ على هذه الطبقات.

فالقارات لا يتحرك سطحها فوق المحيطات، لأنها متماسكة مع الطبقات السفلى وتتحرك معها في آن واحد.

ولكن، هل يمكن أن يتفسّخ قعر المحيط إلى قطع متعدّدة بدون أن تحدث ثُغَر في قلب الأرض؟

لا شك اليوم في أن القوّة المحرِّكة التي تتيح لقعر المحيط أن يحيد، هي الموادّ الجديدة المتصاعدة من قلب الأرض المشتعل، فيمارس تفجّر هذه المواد الملتهبة ضغطاً يحرك قشرة الأرض.

وبما أن سطح الكرة الأرضية لا تتغيّر مساحته، فذاك دليل قاطع على حتمية انحطاط بعض البقع في قعر المحيط بمقدار بروز الجبال من ناحية أخرى، مُحافظةً على التوازن بين النتوء والانخفاض.

هكذا على مرّ العصور انزاحت القارات ولا تزال تنزاح ببطء غير محسوس .

انقراض الديناصور : يقدّر الخبراء أن الحيوانات الكبيرة المدعوّة ديناصور انقرضت منذ خمسة وستين مليون سنة. وإن لم يكن من شك في هذا التاريخ، فقد جاءت عدة افتراضات لتفسّر هذه الظاهرة، بما فيها الافتراض القائل بأن هذه الحيوانات العملاقة لم تعد تقوى على القيام بأود ذاتها.

في الحقيقة، لم ينقرض الديناصور وحده في هذه المناسبة. فإن زواحف أصغر منها حجماً انقرضت معه في ذات الوقت. وكذلك عدّة فئات مختلفة من المخلوقات، حتى التي لا تُرى بالعين المجردة. فكيف أمكن حدوث هذه المجزرة ؟

في إيطاليا والدانمارك، وفي أمكنة سواها من أوروبا، وكذلك المحيط الهادئ، وُجدت طبقة عجيبة من الرواسب تحتوي على نسبة عالية من الإيريديوم، وهو عنصر مادّته المتأتّية من الفضاء الخارجي أغنى من كل ما تحويه قشرة الأرض.

يظهر أن شتّى طبقات هذه الرواسب قد تكوّنت منذ خمسة وستّين مليون سنة، أي في عصر انقراض الديناصورات المذكورة.

وانطلاقاً من هذه العناصر، تقدّم افتراض على كل ما عداه، وهو ارتطام نيزك هائل الحجم يعادل جرماً صغيراً من أجرام الفلك، بالأرض.

فإذا تصوّرنا جرماً كهذا قطره عشرة كيلومترات (حجم جبل برمّته) منطلقاً بأقصى سرعة نحو الأرض، لا بدّ له عند الاصطدام من أن يحدث وميض برق يصبحه دويّ رعد يصمّ الآذان، وتسمعه كل أنحاء كوكبنا.

هذا الجرم يمثّل ألفاً وخمسمئة مليار طنّ من المادة، تصطدم بالأرض بسرعة خمسة وعشرين كيلومتراً في الثانية (أي تسعين ألف كيلومتر في الساعة). الحرارة الهائلة الناجمة عن هذا الارتطام حوّلت حتماً إلى غبار وإلى بخار، هذا الجرم السماوي، وقذفت في الفضاء الأرضي (ستراتوسفير) كتلة من الغبار تعادل عشرين ألف مرة حجم الجرم ذاته.

لم يتساقط هذا الغبار حالاً على الأرض. فبعد الصدمة القويّة، وبعد هدوء ارتجاج الجوّ الذي أحدثه هذا الدويّ الهائل واهتزاز الأرض، وبعد انفلات البراكين والزلازل من عقالها، وعودة السكون إليها، لا مناص للأرض من أن يكسوها وشاح غبار كثيف بصورة تدريجية، يحجب الشمس كلياً.

ربّما دامت هذه الوضعية ثلاث سنوات بدون انقطاع وبكثافة شديدة لم تَخِفّ إلاّ بمنتهى البطء.

في أثناء هذا الشتاء القارس البرد المظلم الطويل، مات كل ما كان يحيا على وجه الأرض من نبات. فسبّب ذلك هلاك الحيوانات آكلة الأعشاب، ثم آكلة اللحوم. وهكذا هلكت مجموعات الديناصور ومعها ثلاثة أرباع الكائنات الحيّة الموجودة آنذاك على سطح الأرض وانقرضت بغتةً.

الثغرة التي أحدثها الجرم باصطدامه، من المفترض أن يقارب قطرها مئة وخمسة وسبعين كيلومتراً، وأن تقع في قعر أحد المحيطات، والغبار الناجم عن الجرم من المفترض أن يكون أصل مناجم الإيريديوم في بعض أرجاء الكرة الأرضية.

لا يغربْ عن بالنا أن الفضاء حافل بأجرام من جميع الأحجام. فالصغيرة منها تتحوّل إلى غبار عند دخولها جوّ الأرض ولا تشكّل بالتالي أي خطر على الحياة، وهي تتساقط بالملايين العديدة فوق رؤوسنا هكذا كل يوم بشكل هباء.
تدل الإحصاءات على أن جرماً قطره عشرة كيلومترات يصطدم بالأرض بمعدّل مرة واحدة كل مئة مليون سنة. فإذا صدقت هذه الإحصاءات، لا تزال أمامنا خمسة وثلاثون مليون سنة ننعم فيها بالهدوء والطمأنينة. انتهى

أضف تعليق