حورية البحر تحت المجهر كاتبة المقالة : كوين أوف بوكس

2015/01/img_0771.jpg

إفتتن البشر بكثيرٍ من القصص التي يتناقلها بعضهم على أنها حقيقة تعايشوها كرؤيتهم لحورية البحرِ مثلاً ، فنجد قصص البحارة تتحدث عن حوريات البحر في بعض الأحيان ، لكن لكُلٍّ منهم وجهة نظره في سبب ظهورها ، فحين يراها البعضُ سببًا في جلب الشؤم للسُّفن ورسالة من أعماق البحرِ لِتحطّم وغَرقِ سفينةٍ ما أو دليلاً لقدوم عاصفة هوجاء ، يراها البعض الآخر
صورة جميلة لمخلوقٍ لطيف يُساعد الغرقى ويقذف لهم بالهدايا البحرية ، وأحيانًا تقوم حوريات البحرِ بإغواء البحارة و خطفهم لأعماق البحر مما يتسبب بقتلهم طبعًا .

لكن ما يستدعي البحث عن حقيقة هذا الإدعاء هو أن هذا الموضوع لم يقتصر على حديثٍ للبحارة فقط بل تعدى ذلك إلى مُشاهداتٍ لأُناس لم يغادروا حدود البحرِ لرؤيتها !

دعونا نبدأ من البداية ، ماهي حوريات البحر بالضبط؟ سؤال سخيف أليس كذلك؟ … قد لايكون كذلك… فطالما هناك فئة مؤمنة بوجودها فلن يكون السؤال سخيفًا بل سببًا في معرفة ( ما الذي يؤمنون به بالضبط ) ،
ولذلك قد يضن الكثير منا أن حوريات البحر مخلوقات وُصفت دائمًا بشكلٍ واحد و بجمال الهيئة حيث يكون الوجه المليح وجسد إمرأة عارية وشعرٌ طويلٍ ذهبي عادةً إلا أن هذا التصوير المُثير لايستمر فنجده يتوقف عند منتصف الجسد ليحل محله ذيلُ سمكة !!! ونجد هناك من يُجسّد حوريات البحر بشكلٍ قبيح أي بعكس التّصوّر الأول ، إلا أن الوصفين يتفقان على الرؤية الجسدية الشاملة ، جسد إمرأة علوي يقابله ذيل سمكة بالجهة السفلى ، لكن لم توصف حوريات البحر دائمًا بهذا الشكل كما سنرى لاحقًا ، وهذا ما يجعلنا نتسائل لما بقيت لدينا صورة حورية البحر المعروفة حاليًا هي السائدة بينما تلاشت الصور الأخرى لحوريات البحر؟ أليس كذلك؟ سنتعرف على ذلك لاحقًا من خلال هذه المقالة .

————–

لقد إكتشف الإنسان حتى الآن سبعون بالمئة من الأرض ككل منها خمسة بالمئة فقط فيما يخص ماتحويه البحارُ والمُحيطات
حقًا ! ذلك يتركنا إذن مع نسبة خمسة وستون بالمئة من المجهول فيما يتعلق بما تحتضنه البحار بين طياتها من مخلوقات ، تلك نسبة مهولة من المجهول! . ناهيكم عن نسبة الثلاثون بالمئة المتبقية للأرض ككل ، فهل تحتوي هذه النسبة العالية جدًا من المجهول بمخلوقات كحوريات البحر مثلاً ؟

ولو تطلعنا إلى معنى كلمة ” وحش ” فسنجدها تعني ( ما لا يُستأنس من دواب البر ) وقد ينطبق ذلك الوصف على مخلوقات البحر كذلك ، في معجم المعاني الجامع ، وتعني في قاموس وبستر الإنجليزي ( حيوان غريب الشكل أو مُرعب ) ، إذن بموجب هذه التعريفات فالمخلوقات الغامضة التي تسكن في أعماق المحيطات هي وحوش حقيقية.

فمن أين أتى هذا الوصف لحوريات البحر منذ البداية ؟ وهل هو لمخلوقٍ حقيقي أم مجرد تصوير وهمي وأسطورة خرافية؟

إن قصص حوريات البحر قيلت لعدة قرون سواء كان ذلك في شكل الفنون الشعبية والأساطير أو الحكايات الخُرافية ، وقد إتخذ الكثير من الرُّسامِ والكُّتاب والفنانين هذا المخلوق في جهودهم الرامية لبعث الحياة من جديد لغموض هذا الكائن المُسمى بحورية البحر والبعض مازال يزعمُ حتى اليوم بوجودها كحقيقة .

تبدأ أساطير حورية البحر وميرمان مع عبادات الآلهة كما ترويها لنا العديدُ من الأساطير ، وقد قسّمت هذه المعلومات إلى ثلاثة فئاتٍ مختلفة لتوفير الوقتِ ووضع مبادئ توجيهية بسيطة لمعرفة الفترات المختلفة التي تناولتها الأساطير عن حورية البحر ، وأقرب وصف لهذه المخلوقات يُمكن إرجاعه إلى القرن الثامن قبل الميلاد .

المراحل الثلاثة التي مرت بها إسطورة حوريات البحر :

١-حوريات البحر والآلهة.
٢- حوريات البحر والمسيحية.
٣- حوريات البحر والعلم.

أولاً : حوريات البحر والآلهة :

كان البابليون يؤمنون بآلهة البحر التي أطلقوا عليها إسم أوانس أو إيا ، وأن هذا الإله على حد زعمهم كان يخرج من البحار لتعليم الإنسان الفنونَ والعلوم المختلفة ويُمكن رؤية صورة هذا الإله التصويري في متحف اللوفر على الحائطِ الذي يمثل حقبة القرن الثامن وهو على شكلِ رجُلٍ بجسده العلوي مُتحدًا مع ذيلٍ لسمكة في أسفله .

كما كان معروفًا لدى السوريين والفلسطينيين عبادتهم لآلهة القمر المُشابهه في شكلها حورية البحر فحينما نراها قد أُطلق عليها إسم آتارجاتيس لدى السوريين ، كانت تُسمى دورسيتو لدى الفلسطينيين ، وذلك ليس مُستغربًا أن يتم الربط بين القمرِ وحورية البحر ، فطالما أن القمرَ هو المسؤولُ عن عملية المدّ والجزر الخاصة بالبحار فلا عجب أن يتم تصوير الآلهه الخاصة بالقمر بصورة حورية البحر وكان ذلك واضحًا فيما جسدته لنا الفنون والأدب الخاص بالعصور القديمة .

وقد ظهرت أول قصص الحوريات البحرية عام 1000 ق.م.، عندما أحبت الإلهة أتارجاتيس -أم الملكة الآشورية سميراميس- أحد البشر ثم قتلته بغير قصد، فخجلت من فعلتها فألقت بنفسها في البحيرة لتصبح على شكل سمكة. لكن المياه لم تخفي جمالها الإلهي، فأخذت صورة حورية – إنسانة فوق الخصر وسمكة تحت ذلك.

ومع ذلك لم تكن جميع آلهة البحر القديمة يتم تصويرها كحورية البحر أو الميرمان أي حوري البحر ، في كل الأوقات ، بل الحقيقة أن هناك مخلوقًا آخرًا يُسمى نيمفس يتم الخلط بينه وبين حوريات البحر فهم يمتلكون الجمال الخارجي كحوريات البحر والموهبة الموسيقية التي تتمتع بها حوريات البحرِ كذلك ، وهناك مخلوقٌ آخر عبر التاريخ يُدعى سيرين يتم الخلط بينهما دائمًا ، حتى أن الكُّتاب القدماء أو الكُتاب المختصين برموز الحيوانات للعصور الوسطى يخلطون ما بين الإثنتين أو يتم ذكر واحدة منهما وتجاهل الأخرى مع أنه كان من المفترض أن يتم ذكر الإثنتين معًا حتى يتم فهم الأدب القديم أو الأدلة الأثرية . فسيرين وحورية البحر كيانان منفصلان كُليًا فبالرغم من أن الإثنتين تمتلكان جسد إمرأة علوي إلا أن الجسد السفلي يختلف بينهما ، فسيرين تمتلك جسد الطائر السفلي وحورية البحر تتحدُ مع ذيل السمكة في نهايتها كما نعرف جميعًا .

أما الهنود فكانوا يؤمنون بآلهة عديدة منها آلهة البحر والتي تُدعى آسباراس بشكلِ إمرأة كاملة الجسد وتحمل قيثارةً تعزِفُ بها كحورية البحر ، أما في الأساطير اليابانية والصينية فلم تكن حوريات البحرِ هي الآلهة الوحيدة المعروفة ، فنجد لدى أساطيرهم آلهة أخرى للبحار كتنين البحرِ وتنين الأمواج . وحورية البحرِ لدى اليابانيين كان يتم تصويرها على شكلِ سمكة كاملة لكن مع رأسٍ بشري وكان يطلق عليها إسم نينقيو ، كما تضمّنت الآلهة البولنزية مخلوقٌ آخر بشكلٍ يتحدُ فيه نصفٌ لجسدٍ بشري مع النصف الآخر لخنزير البحر! وقد كان يُطلقُ عليه إسم ڤاتا . وكثيرًا ما وُضِعت الأساطيرُ اليونانية والرومانية جانبًا إلى جنب لتشابههما ونجد ذلك واضحًا من خلال قراءة الأدب الثقافي لهاتين الثقافتين حيث ذُكر الوصف الأول عن حوريات البحر لدى كُتاب وأُدباء مختلفين فهومر على سبيل المثال قد أتى على ذكر سيرين في رحلة أوديسيوس إلا أنه فشلَ في إعطاءنا وصفًا دقيقًا ( ماديًا ) لها ، أما الأديب أوڤيد من جهة أخرى قد كتب لنا أن حوريات البحرِ قد وُلِدت من حُطام ألواح حصان طروادة المُحترقة ، حيث تحول الحُطامُ إلى لحمٍ ودم مُشكلين بذلك مخلوقاتٍ خضراء وهي ما أُطلق عليه إسم ” بنات البحر الخُضر “.

وغالبًا ما كان يتم تصوير بوسيدون ونبتون كرجال نصفهم السفلي لسمكة ، إلا أن الصورة الأكثر شعبية في العالم القديم والتي تُصوّر حوري البحر أو الميرمان كانت لتريتون ، وهو كما ترويه لنا الأساطير نجل إلٰه البحر القوي ، وله صور كثيرة وزخارف قد رُسمت على الكثير من الأواني التي تعود لتلك الفترات ، وهو يحمِلُ شوكةً في يده يُقال أنها تملك قدراتٍ سحرية.

وللجُزر البريطانية أيضًا نصيبها من الأساطير التي تناولت موضوع حوريات البحرِ أو الميرمان ، وعُرِفت حوريات البحرِ لديهم بإسم ميريميدز ، أما الأساطير الإيرلندية فكانت تُسمى لديهم بإسم ميروس أو ميروقاش ، وتذكرُ بعض المصادر أنهم كانوا يعيشون على أرضٍ تحت البحرِ وأنهم كانوا يرتدون قُبعاتٍ سحرية تسمح لهم بالمرورِ من خلال الماءِ دون ان يتعرضوا للغرق ، وفي حين كانت النساء جميلاتٍ جدًا ، كان الرجال يمتلكون أُنوفًا حمراء وعيونٍ كعيون الخنازير ، مع شعرٍ وأسنانٍ خضراء اللون ، بالإضافة إلى ولعهم لشرب البراندي ( شراب مُسكّر ) .

وفي الأساطير الإسكندنافية كانت حوريات البحرِ قادرة على العيشِ في المياه المالحة والعذبة على حدٍ سواء ، أما حورية البحر النرويجية فنراها شديدة الغضب ولا يُمكن التنبؤ بتصرفاتها ، ويُعتبر من يُشاهدها سيء الحظ .

أما الأساطير الألمانية والتي تناولت حوريات البحر فقد تمتّعت بالتنوع ، فنجد أن هناك فئة قد سُمّيت بالميرفرو وهم عبارة عن جِنسين إثنين نيكس ونيكسي من الذكورِ والإناث ، ويعيشون عادةً في المياة العذبة ، فتقوم إناث نيكسي بإغواء الرجال البشر ثم تقوم بسحبهم إلى أسفل المياه وتُغرقهم ، أما ذكور النيكس فقد أخذوا طابع الشكل القزمي و يتم تصويرهم أحيانًا أُخرى بشُبانٍ ذوي شعرٍ ذهبي جميل . وفي إيسلندا والسويد كان يتخذ شكل إله البحر لديهم جسد رَجُلٍ إلى المنتصف ثم يتحد بعد ذلك بجسد حصان ! ، وهو مايُسمى لديهم بـقنطور أو سنتور ، ونُلاحظ كذلك إتقانه للعزف على القيثارة حيث يقف على رأس الجبل ويقوم حينها بالعزفِ وجذب الناسِ إليه ، ومن يقع في فخه ويمتطيه يقوم بعد ذلك بالقفز به إلى مياه البحرِ وإغراقه ، وفي أحيانٍ أخرى تروي الأساطير أنه يُطالب بالتضحية البشرية السنوية له ، وهناك نوعٌ آخر من فئة النيكسس حيث يروي الفلكلور أن إحدى إناث النيكسس تذهب أحيانًا إلى التسوق في سوق البشر مُتخفية ويتم كشفها عادة من خلال نهاية خط سيرها حيث يتخلله البلل ، فإن كانت تشتري بسعرٍ زهيد كان ذلك دليلاً على رخص بالأسعار لهذه السنة أما إن دفعت مبلغًا مرتفعًا أصبح ذلك دليلا على غلاء المعيشة ، كما عُرِف لدى الألمان بحوريات البحر ذوات الذيل المزدوج ، وكذلك نراها في شعارات النبالة البريطانية ( وهو مانراه في شعار ستاربكس ) ، أما الأساطير الروسية فقد تحدثت عن بنات ملك المياه والتي يعشن في أسفل البحارِ ويقمن بتتبع البحّارة والصيادين ، أما الأفارقة فكانوا يؤمنون بزوجاتٍ للأسماكٍ وبساحرات النهر .

ما قرئناه حتى الآن يُعتبر بدايات الأساطير التي تحدّثت عن حوريات البحرِ بأشكالها المختلفة كآلهه وثنية للبحار ، أما بخصوص حوريات البحرِ كما نتصورها الآن فقد تشكّلت بعد سيطرة الكنيسة المسيحية كما سنرى لاحقًا .

ثانيًا : حوريات البحر والمسيحية :

هناك نظرية تقول أنه خلال قمع الآلهة الوثنية القديمة المُتعددة لم يُنظر إلى حوريات البحرِ وغيرها من الكائنات الخارقة على أنها تشكّل تهديدًا للكنيسة المسيحية ، والبعضِ منهم يذهب أبعد من ذلك حيث يقولون بأن الكنيسة تعتقد حقًا بوجود حوريات البحر! لسببين اثنين : الأول هو أن اسطورة حورية البحر بمثابة شعار أخلاقي للخطيئة والسبب الآخر أن كثير من الكُتّاب المعاصرين و القدماء تحدّثوا عن وجود حوريات البحر بطريقة تُثبت مفهوم ” التضحية ” التي تتحدث أو تؤمن بها الكنيسة .

ويبدو أن رمز المشط والمرآة التي نجدها في أساطير حوريات البحر قد تم تصويره لأول مره في العصور الوسطى ، وذلك يُمثّل مفهوم ( اللاغرور ) وجمال الأنثى التي يُمكن أن تتسبب في هلاك الناس وهو ما تتحدث عنه الكنيسة ، وهكذا تحوّلت أساطير حوريات البحر من المفهوم أو التصوّر الإلٰهي إلى واحدة من القيم الجمالية التي تتحدث عنها الكنيسة . فبدلاً من التصورات التي كانت تتحدث عن حوريات البحر بشكل يجلب الخوف منها أصبحت حوريات البحر رمزًا أكثر جمالاً وروعة .

وبذلك تم إلغاء صورة الكائن سيرين والذي تحدثت لكم عنها سابقًا والإبقاء على صورة حوريات البحر كما نشاهدها اليوم ، فتلك الصورة كما نرى وكما نرى في حوريات البحر كذلك تم الخلطُ بينهما في المعتقدات والثقافات الشعبية القديمة وهذا الخلط تم حتى من قِبل الكُتاب المختصين في رموز الحيوانات القديمة ، وأن ذلك الخلط أو الدمج دائمًا ما كان يُؤخذ من حيوانات ” حقيقية ” ، وما يدعونا للإستغراب والحيرة أن هناك فئة كبيرة من ” المثقفين ” الذين يؤمنون بوجود حوريات البحر ! حتى الآن !

ربما يعود ذلك لبعض القصص التي تُروى ففي عام ألف وأربعمئة وثلاثة قيل أنه قد عُثر على حورية بحر مُلقاة في الوحلِ بعد هبوب عاصفة في غرب فريزلاند وأقتيدت بعد ذلك ، وتم إعطاءها الغذاء العادي ( لنا كبشر ) وإلباسها الملابس البشرية ، ويقول البعض أنها عاشت لديهم لمدة خمسة عشر عامًا حاولت خلالها الهروبَ مرارًا لكن محاولاتها باءت بالفشل ، وأنها كانت تركعُ لدى رؤيتها للصليب وتدورُ في الكنيسة وأنها لم تكن قادرة على الكلام.

وفي سجلات رفائيل هولينشد عام ألف وخمسمائة وسبعة وثمانون ذكر أنه في عهد جون أو هنري الثاني ، وجد بعض الصيادين في سوفولك رجُلا بجسد سمكة فاصطادوه ، وأنه كان لايستطيع الكلام ويتغذى على السمك النيئ أو المطبوخ أحيانًا وأنه قام بالهرب منهم بعد شهرين من اصطياده والعودةَ للبحر، وهناك روايات مُسجلة ومفصلة أغلبها كانت في عام ألف وثمانمئة .

فهل كُل تلك المرويات وغيرها الكثير ، كانت مُجرد خيال خصب لأحدهم؟

لاحقًا تم تناول حوريات البحر في الأدب بإستخدامها وصفًا للمرأة ، ولم تؤخذ صورة حورية البحر إلا بشكل إستعارة فقط ، فنرى تشوسر مثلا إستخدم حوريات البحرِ في إحدى الأغاني واصفًا إياها بالجميلةُ الخطرة ، وأيضًا كما هو معروف فقد إستخدمها شكسبير كذلك في كوميديته ايروس .

إذن صورة حوريات البشر بدأت بالتلاشي والتحول إلى صور أخرى أو تتغير النظرة لها إلى صِيغ أخرى عما بدأت به .

ثالثًا : حوريات البحر والعلم :

مع تطوّر العلم تحوّل ماهو جميل ورائع وخيالي إلى مجرّد تصوّر طفولي بين الكُتاب الأكثر تعليمًا وخصوصًا في القرن الثامن عشر ، ولكن بدأت صورة حوريات البحرِ تزدهر مرة أُخرى مع إزدهار الحركة الرومانسية في مطلع هذا القرن ، وكذلك بدأت العقول العلمية قُصارى جهدهم في تبديد أسطورية حورية البحرِ مُدعين بذلك أن جميع المُشاهدات التي سُجّلت كانت لرجالٍ عاشوا فترةً طويلة من الزمنِ في عرض البحرِ وبالتالي هم عُرضةً للتخيلات فكانوا يرون في حيواناتٍ معروفة كالدلفين أو خروف البحرِ أو خنزير البحرِ ، حورياتٍ للبحر .

ومع وجود مُشاهدات عدة وتقارير كثيرة يتم عرضها منذُ بداية القرن التاسع عشر أصبح الجميعُ لا يُبالي فيما يقوله العلمُ بخصوص حوريات البحر وأنها مجرد مخلوق خيالي.

فنرى قصص الأطفال تمتلئ مجددًا بحكايات حورية البحر ، ويتم كتابتها ونشرها لدى العامة ، ونراها تغزو الفن كذلك حيث يُصّوِّرُ الفنان الإنقسام داخل الطبيعة البشرية ، فيُجسّد الطبيعة ” الحيوانية ” والمتميزه بالتفكير الجنسي مُمثلة بذيل حورية البحر وأن هذا الجزء البشري المُتصل بها ماهو إلا رمز لمحاولة الحصول على ماترغب به وهو الروح الطاهرة المُتكاملة دون أي نقصان ، وأن التصوير الأولي الذي تطمحُ فيه النفس البشرية في الحصول على الروحِ أو الكمال تجسّد تاريخيًا من خلال رسومات حوريات البحر ومثال على صحة هذا الفكر هو مانراه من قصص حوريات البحر التي تتطلّع دائمًا لأن تكون بشرًا كاملاً .

ولو كانت حوريات البحر مخلوقات حقيقية لما رأينا العديد من عمليات الإحتيال والخداع والكذب قائمة وبكثرة خلال عامي ألف وتسعمئة وعشرين وألف وتسعمئة وثلاثين ميلاديًا ، ومن أشهر هذه العمليات هو حورية البحر فيجي التي إتضح لاحقًا أنها تتألف من جسد قردٍ وذيل سمكة شُيّدا معًا وأُعلن أنها جُثة حورية بحر ميته! وما وجدته في موقع أنيمال بلانت حيث يصور العثور على حورية بحر وتم عمل لقاء مع العالمان اللذان اكتشفاها ثم إتضح بعد بحثي وتدقيقي أنهما لم يكونا سوى مُمثلين طُلب منهما عمل هذه الخدعة والإدعاء بأنهما عالمان مرموقان!!!

و قبل أن أنهي هذه المقالة سأضع لكم الأسباب التي تجعل من كائن كحورية البحر لا يتعدى الخُرافة والأساطيرَ والخيال الجميل لبني جلدتي ( البشر ) :

أولاً : من المُفترض في حورية البحر أن تكون مزيجًا مابين إمرأة وذيل سمكة ، ومن خلال بناء الكائنات الحية لا يُمكن أبدًا فصل جسدين مُختلفين في النوع ثم القيام بلحمهما معًا بكل بساطة! ولم يحدث ذلك في أي وقتٍ مضى . وعلى رغم الإختلاف في المظهر فالأسماك والبشر ليس لديهما حتى نفس الأجهزة وبنفس طريقة الترتيب ! حتى يُمكن أن يُقال أن ذلك مُمكنًا ! حيث يلتقي الوركين مع ذيل السمكة كما هو موضح في الصورة أعلاه وبذلك يكون القولون البشري على رأس كبد السمكة ، هذا ولم أتحدث عن عملية هضم الطعام عبر القناة الهضمية المعقدة والتي ينتج عنها بقايا صلبة وكذلك المثانة والمعدة وغير ذلك من أعضاء ، هذا وللعلم فقط فإن الكلى في الأسماك تنتج الأمونيا والتي يتم التخلص منها عن طريق الخياشيم ، نعم إنهم يتبولون أساسًا من خياشيمهم كما يذكر أحد المواقع العلمية ( هنا ) ، فكيف يتم الدمج بينهما؟!

ثانيًا : كيف تم دمج جذع إمرأة بعقب سمكة ، كيف إنصهر مخلوقين مختلفين مع بعضهما البعض وأنتج مخلوقًا جديدًا ؟!

ثالثًا : كيف يحدث التزاوج وعملية الوضع إن عرفنا أن كِلا الكائنين لديهما طريقة مختلفة في عملية التكاثر والولادة أو وضع البيض!
ومع ذلك نجد أن بعض القصص تحدّثت عن اصطياد حوريات البحر وإنجاب أطفال منهن!!!

رابعًا : لو نظرنا إلى حورية البحر من منطلق أنها كائن بحري يعيش في قاع البحار لأربعة وعشرون ساعة في اليوم وسبعة أيام بالإسبوع وقارناها بجلد البشر حين يستغرق ربع ساعة أو حتى نصف ساعة في المياة المالحة ، فلا أعتقد أن منظر حورية البحر سيكون جميلاً ومُغريًا بالزواج وهي تُمشّط شعرها بمحارة فوق صخرة ملساء .

خامسًا : ليس لدينا دليلاً ماديًا حقًا فإن كان وجود مثل هذا المخلوق صحيحًا فلم يتم التستّر عليه لو كان حيوانًا حقيقيًا ؟ فإن وجود مثل هذا الكائن سيصبح سبق علمي يستحق الدراسة فبالرغم من تكنولوجيا المعلوماتية التي وصلنا إليها لم نستطع الإمساك بواحدة؟!!!

وبذلك أصبحت إسطورة البحر كلعبة يشدها مُصدّقٌ لها وآخر يريد أن يصدّق وجودها وبين من يقف خلف التفكير المنطقي والإثبات العلمي ليصدّق ببساطة أن مخلوقًا كحورية البحرِ لا يمكن أبدًا أن يوجد . وأنه قد تم تناول قصتها كوسيلة للّعب ، والرسوم ، والإباحية ، وللنساء بملابس السباحة! فقط ، وبغض النظر عن كيفية إستخدام حورية البحر أو ما الدور الذي تلعبه إلا أنها دائمًا ما ستحتفظ بجو الغموض الجميل الذي طالما كان مُرافقًا لها.

إنتهى

كاتبة المقالة: كوين أوف بوكس

أضف تعليق